CRI Online

حروف المذكرات من قلب فلسطين إلى أرض الصين العظيمة

cri       (GMT+08:00) 2015-03-10 14:56:15


السيدة رولا حلايقة في الصين

بقلم رولا حلايقة (صحفية فلسطينية)

رحيل ساحر سافرت مع معالمه إلى جنة لم أرها يوما ، لطالما رددت كتب التاريخ في موطننا العربي عن طريق الحرير إلى جمهورية الصين العظيمة ، و حقا عبر حرير الحضارات حلقت في باطن تلك الطبيعة الراقصة ، حيث أساطير الإمبراطوريات و كنوز الحكام و ملوك العظمة القصور ، هناك على أرض الصين العظيمة منذ هبطت الطائرة بنا في مطار بكين الدولي غمرتنا نسمات التاريخ ممزوجة بعبق الحضارات الآسرة التي مرت في كل بقعة لتنشد لنا بصخب و تمطر أجساد الفكر في ذواتنا بأمطار مجنونة ، كل قطرة فيها تروي مجدا عانق العظماء قبل آلاف السنين ....

في الصين لتلك المعابد و التماثيل الشامخة في أحضان ربيع الشجر و أزهار الحجر ، وقع الشموع ، خرير المياه ، أروقة مكتظة بالأعمدة الملونة المنقوشة في زمان له ذرات التراب ، تراب احتضن غابات الأشجار الباسقة مجدا و بصمات صينية تحتمي بظلال أكبر شجرة غرس جذورها من دفع أنفاسه و حياته حتى تكون ، و مع تلك الكرات الحمراء المزدانة بالخيوط الذهبية ترحل بنا الخواطر لتلك الأيادي المتينة الجبارة التي حاكتها و ابتكرتها و أعلنتها رمزا صينيا يقدس بعضا من حضارتها ...

و ما أجمل التركيز في كلمات محتوياتها رموز و رسومات موطنها لغة صينية يطلق عليها البعض لغة الطلاسم ، هي فعلا تبدو معقدة لنا لكنها قوية بقدر ما تحتوي من أحداث إبداعات و نجاحات ، تواريخ عظماء ، نماذج حضارية تستحق أن نقف عليها كثيرا لنتعلم منها و نحلل مواطن القوة فيها ، لقد حدقت بها أثناء تجولي في الأروقة التاريخية في بكين العاصمة الأم .

و على مشارف البداية خطت قدماي الأمتار الأولى كي أقف صامتة عند نزولي من الحافلة التي حملتنا عبر طرقات غارقة في نسيج ربيع الحياة الخضراء ، نظام طبيعة و نظام بشري متقدم يتربع على عرش الرقي ، و مع أصوات صينية تنطق بلغة الضاد و تقول " يا سادة هذا هو سور الصين العظيم " إنه المترجم الشاب هيكل يطلعنا على مسار الرحلة .

أبحرت مع الصمت و أنغام رقيقة ترون بألحان موسيقى صينية تقليدية تنبعث بعمق مجنون من كل الاتجاهات تحاكي كافة المعالم التضاريس البناء و الشجر و الحجر و حتى بقايا أنفاس الراحلين ، ومع ذلك الصوت المسترسل تصرخ موسيقى الانتصار في أذني من كل الاتجاهات، تناديني ، تحاكيني و أنا صامتة أتأمل الطبيعة الممتدة و بناء متين تعجز عن وصفه الحروف ، رفعت جفون العيون و نظرت للجهة التي تقابلني لانصهر بغرابة ذلك المكان، و تحسرني الذاكرة بعبارات و تصاميم و صور أمعنت بها في طفولتي ، تعلقت بأعجوبة هذا السور العظيم .

أسدلت ستار الأحلام في روحي مع تركيز جسدي و روحي بما أراه ، ناظرت دمى الروايات في مخيلتي ، أسير دون تفكير ، أتسلق درجات السور المتتالية و المتنوعة الأحجام و الارتفاعات في آن احد ، سيل من التساؤلات في ذهني المفكر ، من مر هنا ؟؟ من أول قدم وضعت خطواتها ؟؟ كيف تجلت عظمة الإبداع ؟ من هن النساء اللواتي استرسلن بأطراف الحديث على معالم ذلك السور و همسن لرجالهن بالنهوض لبناء البلاد ؟ يقاطعني ذلك المترجم الصيني و يقول " هل تعلمين أن هناك رواية صينية قديمة و لطيفة تقول أن في العهود القديمة كان على الرجل الصيني حين يعزم على الزواج أن يحقق شرطا أساسيا وهو أن يتسلق سور الصين بأكمله ، و إن لم ينجح فهو غير جدير بالزواج و لن تقبل به أي امرأة....

تلك الحكاية الصغيرة و كأنها دليل على أزمنة ترسخت بها معاني الصمود و القوة و تحمل المسؤولية و القدرة على إثبات الذات و تحمل الكثير من المشقات و الأعباء ، دلالة على جبروت الإنسان الصيني آنذاك و الذي ما زال ، و المتتبع لفن البناء و الهندسة في ذلك السور يدرك ذكاء التخطيط و حب العمل و يعمق معاني الإيمان بالمثابرة ، لأن ذلك كله كان قبل آلاف السنين ، كيف وصل هؤلاء و أبدعوا في حماية موطنهم العظيم على امتداد الصين و على تضاريس جبال شامخة حاكت عظمة الفلسفة و الوجود .

ومع ظل كل تمثال في شوارع و أروقة بكين أو في تلك المعابد التاريخية التي زرتها تمايلت أفكاري مع معتقدات النجاح ، التمثال ليس اله للعبادة ، إنه رمز للحكمة و المحبة و السلام و العمل ، و أيضا الالتزام و الانضباط و الإنجاز ، ليس غريبا ما قرأته في طفولتي عن عظمة كونفوشيوس و حكمته ذكائه أخلاقه ، حين زرت أحد المقابر البوذية سرحت بكتاباتي عن حقب زمنية لا توصفها مجلدات العلم ، نعم انها الصين التي أشرقت شمس جمالها في كل البقاع بكل ما تحتويه أرضها و تضاريسها المتنوعة ومواردها الطبيعية البشرية .

في تفاصيل و ملامح الإنسان الصيني منابع للرقي و التطور ، الصين اليوم هي صوت التقدم الأكبر في هذا العالم ، اقتصاد يحاكي درجات التفوق ، تجولت في شوارع بكين ، لمست النظام الحب و الحياة و الأمل والسلام ، تناثرت عطور محبتي لهذا الموطن العظيم ، شعرت أنني جزءا منه و انصهرت بثقافته تميزه في كافة المجالات ، أصبحت مطالعة للقناة الصينية الناطقة بالعربية cctva و إذاعة الصين الدولية الناطقة باللغة العربية ، أشعر بالسعادة حينما أرى و أستمع لكل صيني ينطق بالعربية ، كل ذلك يرسخ ما خطته كتب التاريخ عن العلاقات الصينية العربية ، و يبقى حلمي أن أجوب أراضي الصين كي أكتب عنها بصدق ما تستحق ، أشعر بأن العالم لا يكتب عنها بإنصاف ، الصين أرض الكون المشرقة لا بد أن تبقى مشتعلة بشموع الحب و النجاح و التميز ، إنها الأولى و ستبقى .

ومنذ وقت طويل يشرق فجر صباحي على الألحان الموسيقية الصينية التقليدية ، كما تغفو عيوني على عزف الناي و أنغام الحب و الحياة في سحر الصين الجميل الذي يصنع من ليلتي حلما جميلا أتمنى أن أستيقظ على وقعه بالحقيقة يوما ما .

أخبار متعلقة
تعليقات
تعلم اللغة الصينية
حول القسم العربي